[center]الكلمة والحوار والرواية ـــ تأليف: جوليا كرستيفا ت: حسن المودن
النص المترجم
إذا كانت فعالية المقاربة العلمية في مجال العلوم الإنسانية موضوع جدال على الدوام، فالمثير أن ينتقل هذا الجدال لأول مرة إلى مستوى البنيات المدروسة نفسها التي تتعلق بمنطق آخر غير المنطق العلمي، سيتعلق الأمر بهذا المنطق اللغوي (أو بالأحرى بمنطق اللغة الشعرية) الذي يعود "للكتابة" (أفكر الآن في ذلك الأدب الذي يجعل من صياغة المعنى الشعري كوحدة دينامية أمراً ملموساً) الفضل في إبرازه، وهكذا تُمنَح إمكانيتان للسيميائية الأدبية: الصمت والامتناع، أو بذل مجهود أكبر لتشييد نموذج مُشاكل لهذا المنطق الآخر، أي لبناء المعنى الشعري الذي يوجد اليوم في مركز اهتمام السيميائيات.
إن الشكلانية الروسية التي يغترف منها اليوم التحليل البنيوي قد وجدت نفسها أمام بديل مماثل عندما تدخلت أسباب خارج –أدبية وخارج- علمية لتضع حدّاً لدراساتها. ومع ذلك توبعت الأبحاث لترى النور بعدئذ مع تحليلات ميخائيل باختين الذي يمثّل واحداً من الأحداث الأكثر بروزاً وواحدة من المحاولات الأكثر قوة لتجاوز هذه المدرسة، فبعيداً عن الصرامة التقنية للسانيين، وبنهج كتابة اندفاعية، بل تنبؤية في بعض اللحظات، عرض باختين لمشاكل جوهرية هي التي تواجهها اليوم الدراسة البنيوية للمحكي، وهي التي تجعل من قراءة النصوص التي درسها قبل أربعين عاماً تقريباً قراءةً معاصرة. ولأن باختين كاتب قَدْرَ ما هو "عَالِم"، فقد كان أحد الأوائل الذين استبدلوا التقطيع السكوني للنصوص بنموذج لا توجد فيه البنية الأدبية، بل فيه تتكون في علاقة ببنية أخرى. وهذه الدينامية البنيوية ليست ممكنة إلا انطلاقاً من تصور تبعاً له لن تكون "الكلمة الأدبية" نقطة (معنى ثابت)، بل تقاطع مساحات نصية، وحواراً بين عدة كتابات: للكاتب، وللمتلقي (أو للشخصية) وللسياق الثقافي الراهن أو السابق.
وبوضع مفهوم الوضع الاعتباري للكلمة كأصغر وحدة في البنية، حصر باختين النص داخل التاريخ وداخل المجتمع، منظوراً إليهما على أنهما نصّان يقرأهما الكاتب وينصهر فيهما عند إعادة كتابتهما. هكذا تتحول الدياكرونية إلى سانكرونية وعلى ضوء هذا التحول يظهر التاريخ الخطي على أنه تجريد: والطريقة الوحيدة التي يمكن بها للكاتب أن يشارك في التاريخ هي إذن اختراق هذا التجريد بواسطة كتابة –قراءة يعني بواسطة الاشتغال على بنية دالة في علاقة أو تعارض مع بنية أخرى، والتاريخ والأخلاق يُكتبان ويُقرآن من خلال البنية التحتية للنصوص، وبهذا تسير الكلمة الشعرية المتعددة المستويات والمتعددة التحديدات وفق منطق يتجاوز منطق الخطاب المقنّن ولا يتحقق نهائياً إلاّ على هامش الثقافة الرسمية، وإذن في الكرنفال سيبحث باختين عن جذور هذا المنطق كأول باحث تصدى لهذه الدراسة، فالخطاب الكرنفالي يكسر قواعد اللغة التي يراقبها علم النحو، وعلم الدلالة، وبهذا الفعل نفسه ينتصب معارضة اجتماعية وسياسية. والأمر لا يتعلق بالتوازن بل التطابق بين معارضة الشفرة اللغوية الرسمية ومعارضة القانون الرسمي.
_________________